هو راشد بن سالم بن عبد الرحمن بن جبران السويدي شاعر من إمارة
عجمان في دولة الإمارات العربية المتحدة تحدته الظروف وعانده الزمان ولد سنة 1905
ولما أصبح في الثامنة من عمره توفي والده، وبعد سنوات أخرى توفيت والدته، وكان له
شقيق يدعى عبدالرحمن توفي هو بدوره في سن الثامنة عشرة وكان شاعرنا يصغر أخاه
بسنتين.. وسمي ب “الخضر” لسمرةٍ خفيفة في لون بشرته.
كوته الحياة بنيرانها ورسمت خطوطاً واضحة على صفحات قلبه حتى إنه لا ينظر إلى
الحياة إلا بنظرة الألم، لقد فقد كل ما لديه، اللهم إلا الإحساس بضرورة المتابعة
وعدم التوقف. تلك هي الحياة حل وترحال فرح وحزن ميلاد وموت. والكثير من الناس
تفاجئهم الأفراح تباعاً فلا يكاد ينفك من فرحة حتى تأتيه فرحة أخرى والعكس وارد في
أحوال كثيرة.
حياته
عاش راشد الخضر حياته عازباً ولم يرغب في الارتباط بزوج له ما أثار عندي سؤال محير
هو:
“هل كان الخضر سيتزوج من فتاته علياء لو ساعدته الظروف وهيأت له ذلك ؟”، في حين أن
أغلب قصائده تدور موضوعاتها حول قصص العشق والغرام، إلا أنه آثر حياة العزوبية
وربما كان ذلك بدافع الخوف من تكرار المآسي التي خبرها منذ طفولته.
وكانت تكفيه التجارب السابقة مع الناس الذين ودعوه ورحلوا عندما كان في أمس الحاجة
إليهم.
فيما يذهب آخرون إلى أن الخضر لم يرد الارتباط لسبب أنه كان يعشق الجمال ويفتتن به
وفضل أن يكون حراً طليقاً كالطير ينتقل من شجرة إلى أخرى يترنم ويتغزل بجمال الزهور
والنسمات.
ويدلل أصحاب هذا الرأي على قولهم هذا بالأبيات التالية للشاعر:
دنّقْ أو دنّقْ قلبي اوياه
فز او قعد قلبي محلّه
وحكاية هذا البيت أنه في أحد الأيام كان الخضر ماراً بمنطقة من المناطق ودعاه أحد
معارفه ليحل ضيفاً عنده وبينما هو جالس في المجلس وإذا بفتاة تدخل عليه تحمل من
صفات الجمال الشيء الكثير، جاءته بالضيافة فأعجب بها الشاعر وأنشد قصيدة يتغزل
بجمالها كانت بدايتها البيت السابق.
وفي قصيدة أخرى يقول:
أنا بين شبكين أبقى
أشبك العمل أم أنت ناصبة شبكا
حميتك يا شبك الشوارع قادر
فمن يحمني من شبك جفنٍ له هتكا
البيتان السابقان من قصيدة للشاعر راشد الخضر نظمها بينما كان يعمل حارساً لمستودع
مسيّج وبه معدات تابعة لاحدى الشركات فمرت من خلف ( الشبك ) السياج فتاة جميلة أعجب
بها الخضر وتعلق قلبه بها فنظم هذه القصيدة.
“ونّات” الخضر:
ونّيت وكنّي في بساتين لشعار
ونيت يوم الليل عسعس
نار الهوى تسطي بلا حرق
متشوفني م القلب ونّان
ونيت وانيوم السما ابزاغ
ونتي تلجم يرح قلبي
ونيت من قلبٍ امعطل
يا مرحبا ونّه على البال
أهلاً وسهلاً قلت ونيت
ونيت من قلبٍ عليلٍ ولا له
كانت تلك بعض “ونّات” الخضر وكأنه تنبأ بما سيحدث في المستقبل وتوالت بعدها
“الونات” في القصائد الباقية و”الونة” في اللغة من الأنين ولكنها تلفظ بالعامية
“بالونّه”، يقال يوّن من شدة المرض أي يئن من شدة المرض.
ثقافة الخضر
استمد الخضر ثقافته من مدرسة الحياة فقد تعلم القرآن الكريم وعلومه في الكتاتيب،
“المطوع” وكما هو واضح من أشعاره فهو إنسان لديه قدرة لا بأس بها من الحفظ والفهم،
هذه الخاصية ساعدته كثيراً على تخطي الصعاب التي مرت به، فقد شغل نفسه في أمور كسب
الرزق وملازمة ابن عمه ناصر بن جبران الذي كان يمتهن صناعة تطريز البشوت “العباءات”
فتعلم هذه الصنعة منه ونتيجة للمجالس الأدبية في إمارة عجمان وبخاصة مجالس الشعر
والأدب فقد شكلت له مدرسة أخرى يرتادها ليستمع إلى من لهم باع في هذه الفنون فيتعلم
منهم ما جهله.
ولم يقف الحال عند هذا الحد بل عمد شاعرنا إلى التنقل والترحال من مكان إلى آخر
فذهب إلى سلطنة عمان ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة
الكويت ثم ذهب إلى الجمهورية اليمنية وإلى سوقطرة وإلى الهند، وقد أحب الخضر التنقل
في تلك البلدان ليتعلم من ثقافات الشعوب ما يثري به مخزونه الفكري من تجارب وحضارة
تلك الشعوب ويضيف إليها من معطيات بيئته المحلية نكهة خاصة تميزه عن الآخرين وهو
فعلا تميز في عصره.
...
هذه لمحة بسيطة من حياة هذه الشخصية المميزة التي تركت اضافة واضحة الى شعرنا
الشعبي في دولة الامارات، هذه الشخصية التي انطفأت شعلتها في يوم الأربعاء الموافق
22 / 10 / 1980م وإلى الأبد بعدما كانت تسجل واقع الحال كشاهد عيان على أحداث ذلك
الزمان ......